عبدالوهاب سعيد الأصبحي مصور وثائقي، حمل رسالته الإنسانية على عاتقه، وأخذ كاميرته بيده لتكون وسيلته الصادقة لتصوير الأوضاع الإنسانية في مناطق النزاعات، وأداته الفعالة لتغيير واقع الناس حول العالم فكانت باكورة إصداراته في مجال التصوير الإنساني الفوتوغرافي كتاب: «لجوء بين ضفتين» والذي يروي بالقصص المؤثرة والصور المعبرة رحلة لجوء الروهينغيا من بورما إلى المخيمات في بنغلاديش، ثم خاض بعدها تجربة ساخنة في تغطية واقع النازحين في اليمن وآثار الحرب عليهم، ولم يقف عند هذا الحد إنما انطلق في مجال الأفلام الوثائقية، حيث أخرج العديد من الأفلام ومنها فيلم: «أهل الكهف» والذي يحكي معاناة الأسر التي تعيش في الكهوف في الجبال وسط الصين.
الأصبحي أكد في حوار خاص له مع «الإيمان» إيمانه الشديد بوجود علاقة وثيقة بين دور الكاميرا ومعاناة الشعوب، وأن لها أثرا إنسانيا كبيرا، وخلال هذا الحوار يتحدث لنا الأصبحي عن صحبته لكاميرته في توثيق العديد من الأزمات الإنسانية والنزاعات حول العالم، وكيف ساهمت في نقل حقائق المعاناة التي أصابت الإنسانية نتيجة كوارث طبيعية أو حروب طاحنة أو اضطهاد عرقي:
بداية نريد أن نتحدث عن عبدالوهاب الأصبحي والكاميرا الإنسانية متى بدأت القصة؟
٭ بدأت القصة مع الكاميرا الإنسانية في عام 2008 حيث كنت في رحلة إنسانية إلى منطقة في جنوب الفلبين تقطنها أغلبية مسلمة، وشرعت بتوثيق حياة الناس لاسيما الجانب الإنساني منها، فترك ذلك أثرا كبيرا في نفسي، فما أشاهده من خلال عدسة الكاميرا ليس صورا فوتوغرافية فحسب، بل هي علاقة إنسانية مع كل صورة أقوم بالتقاطها، وبدأت هذه العلاقة تتوثق، ومهارتي في التصوير تتطور، ومن هنا بدأت القصة.
ما أبرز المحطات التي انطلقت منها؟
٭ بلا شك هناك العديد من المحطات التي كان لكل منها أثر على نفسي في مجال التصوير الإنساني، فكانت البداية كما ذكرنا في رحلة الفلبين عام 2008 أما المحطة الرئيسية والتي كانت بمنزلة الانطلاقة الأولى في هذا المجال فكانت في عام 2011 في رحلتي إلى الصومال لرؤية آثار المجاعة التي ضربت القرن الأفريقي، حيث كانت أبرز المحطات، إذ مازلت أتذكر العديد من القصص المؤلمة التي شاهدتها هناك أثناء زيارتي للمخيمات والمستشفيات، فمشهد تلك الأم التي فقدت أحد أطفالها التوأم بسبب الجوع مازال حاضرا في ذاكرتي، إذ لم أتخيل يوما أن إنسانا في وقتنا الحاضر قد يكون ضحية الجوع، نعم سمعنا كثيرا عن الموت جوعا لكن حينما تراه بعينك تشعر بعظم المسؤولية تجاه هذه الشعوب وتلك الأقليات، كما أنني لا يمكن أن أنسى المحطة الرئيسية الأخرى وهي رحلاتي إلى مخيمات اللاجئين الروهينغيا في بنغلاديش بعد تعرضهم للتطهير العرقي في ميانمار، أما المحطة الأخيرة فكانت رحلتي إلى اليمن والتي شاهدت فيها العديد المآسي التي يعاني منها الأبرياء هناك.
كانت الروهينغيا أول تجربة موثقة.. اشرح لنا هذه التجربة؟
٭ بالفعل، كانت تجربة توثيق رحلة لجوء أقلية الروهينغيا بسبب التطهير العرقي في ميانمار إلى مخيمات اللجوء في منطقة كوكس بازار في بنغلاديش من بدايتها ولمدة عام كامل كانت جديدة وفريدة من نوعها. فتوثيق مشاهد وصول اللاجئين على قوارب خشبية مهترئة إلى سواحل مدينة كوكس بازار وملامح الخوف تعلو وجوههم، وبكاء طفل وأمه حائرة وعاجزة عن أن تجد له شيئا يسد جوعه، وتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين وسيرهم بأقدام حافية لا يقيها شيء بحثا عن أي مكان آمن يلجؤون إليه لا شك أنها مشاهد مؤثرة لمعاناة إنسانية قاسية. كما أنني مازالت أتذكر ذلك المشهد الإنساني الرائع وسط تلك المأساة والذي حمل فيه ذلك الشاب أمه الطاعنة في السن على ظهره ليذهب بها إلى الطبيب، وتلك المرأة التي قتل زوجها إلا أنها مازالت تحتفظ بصورته وقميصه الأزرق.
واستمرت الرحلات إلى مخيمات اللاجئين حتى تبلورت الفكرة وأثمرت إصدار أول كتاب توثيقي في أدب العمل الإنساني بعنوان: «لجوء بين ضفتين» ويتضمن صور وقصص اللاجئين، كما تمت إقامة معرض إنساني خاص لعرض قضيتهم وشرح حجم معاناتهم، لذلك فمن المؤكد أن يترك ذلك كله أثره على قلب الإنسان وفكره.
انتقلت التجربة من الروهينغيا إلى اليمن، حدثنا عن كيفية انتقالها؟
٭ هذا صحيح، في تجربة الروهينغيا كانت المعاناة نتيجة اضطهاد عرقي مما تسبب في لجوء مئات الآلاف من ميانمار إلى بنغلاديش، أما في اليمن فكانت المأساة نتيجة الحرب مما تسبب بنزوح الملايين من منطقة إلى أخرى ومقتل عشرات الآلاف من المدنيين.
أثناء زيارتنا لمخيمات النازحين وبعض المناطق التي تأثرت بالحرب نرى المعاناة في عيون الناس دون أن يتحدثون عنها، فالأطفال فقدوا مقاعد التعليم، والشباب فقدوا أعمالهم، والأمهات عاجزات عن توفير الطعام الكافي لأولادهن، والرجال يقضون أغلب فترات يومهم في تجميع الخشب أو العمل لساعات طويلة للحصول على أجر رمزي لا يكاد يغطي احتياجاتهم الأساسية، كان لكل منهم قصته وحكايته.
التقينا بالعديد من النازحين من مناطق مختلفة من الحديدة وصنعاء وتعز وغيرها، واستمعنا منهم لقصصهم المأساوية ومعاناتهم اليومية، فكانت كل قصة ذات أبعاد إنسانية مختلفة، كانت عيون العديد منهم تذرف دموعها وهم يتحدثون عما مروا به من معاناة، وكان بعضهم يتحدث بأسى بالغ وقلبه يعتصر ألما لما آل إليه الوضع الآن، وآخرون ارتسم الحزن على وجوههم فكانت تروي قصتهم دون أن يتحدثوا بها. وهذه الجوانب الإنسانية من حرب اليمن لم تتناولها وسائل الإعلام أو تقوم بتغطيتها كما ينبغي وإنما سلطت الضوء في الغالب على الصراع والحرب، فالإعلام الإخباري ينصب تركيزه على الجوانب السياسية والعسكرية للحرب، فيركز على مناطق السيطرة، عدد القوات، وغيرها من المواضيع، دون اهتمام كاف بالوضع الإنساني، لذلك نشأت فكرة إصدار ملف مصور تحت عنوان «اليمن بين سطور الحرب» إذ يحكي من خلال الصور الميدانية عن واقع المعاناة الإنسانية لملايين النازحين.
كيف رأيت الأوضاع في اليمن إنسانيا.. صحيا.. تعليما؟
٭ يشهد اليمن أكبر أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج أكثر من 24 مليون شخص حوالي 80% من السكان لمساعدة إنسانية، بمن فيهم أكثر من 12 مليون طفل، ومنهم 10 ملايين على بعد خطوة واحدة من المجاعة، كما أن الأحداث دمرت أكثر 80% من الأبنية المدرسية التي أصبحت خارج إطار العملية التعليمية في اليمن، الأمر الذي أدى إلى تردي أوضاع التعليم في اليمن، كما أن هناك 19.7 مليون شخص من بين نحو 28 مليون نسمة هم عدد سكان البلاد يحتاجون إلى الرعاية الصحية، علما بأن أكثر من نصف المرافق الصحية في اليمن دمرت أو تعتبر خارج الخدمة، ناهيك عن أن هناك أكثر من 2 مليون طفل يعاني من سوء التغذية، أضف إلى ذلك مرضى القلب والسكري فلا أقل من أن نقول ان الأوضاع في انحدار، فالأطباء يضطرون إلى السفر خارج اليمن أو يقومون بالعمل في العيادات الخاصة وذلك لعدم تقاضي رواتب من الجهات الحكومية.
ما أبرز القصص التي كنت شاهد عيان عليها هناك؟
٭ هناك معاناة حقيقية في الحصول على الأغذية المناسبة، فهذا الشخص كان يأخذ السلة الغذائية ليبيعها ويحصل من خلالها على أموال يستطيع أن يشتري حليب لطفله الرضيع، وها هي أم لطفل يعاني من سوء التغذية الحاد والتي لا تجد والدته حتى ثمن وسيلة المواصلات التي تأخذها الى المستشفى، ناهيك عن ثمن العلاج، إلا أن الله عز وجل أكرمها ببعض المتطوعين الذي تبنوا حالة ولدها وبدأوا بتقديم العلاج له، ولم يقف الأمر عند قصص المعاناة فهناك قصص من نوع آخر وهي قصص الإنسان الذي كان في وظيفة مرموقة وحاليا يعيش بين الأحجار بعد أن كان معلما للأجيال، فها هو رجل يعيش بين الغرف الاسمنتية ويمتلك طلاقة لغوية ويتحدث معنا، وحينما سألناه عن عمله فقال كنت مديرا لمدرسة متوسطة في منطقتي.
نريد أن نتحدث عن الإصدار الأخير عن اليمن؟
٭ الإصدار الأخير لليمن بدأنا التفكير فيه بعد العودة، فبعض ما شاهدناه وجدنا بأنه لزاما علينا أن نقدم شيئا للتعريف بالمعاناة الإنسانية لليمنيين، فكانت الفكرة بإصدار رقمي يشرح معاناة اليمنيين الإنسانية، وهو عبارة عن ملف به العديد من الصور وبعض العبارات أو النصوص التي تتحدث عن بعض المشاهدات موثقة بوقت التقاط الصورة وتاريخها حتى يتم إثبات أن هذه الحقيقة موجودة وإبراز الجانب الإنساني الموجود هناك وهو الجانب الذي يحتاج الى تسليط الضوء عليه، فكان هذا الهدف من هذا الإصدار، وأتمنى من خلاله أن أقوم بإبلاغ الناس عن أن هناك أشخاصا يعانون بين سطور الحرب.